الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مقدمة ابن الصلاح المسمى بـ «معرفة أنواع علوم الحديث» **
*1* هذا علم كبير قد ألف الناس فيه كتباً كثيرة، ومن أجلِّها وأكثرها فوائد (كتاب الاستيعاب) (لابن عبد البر)، لولا ما شانه به من إيراده كثيراً مما شجر بين الصحابة، وحكاياته عن الإخباريين لا المحدثين. وغالب على الإخباريين الإكثار والتخليط فيما يروونه. (173) وأنا أورد فالمعروف من طريقة أهل الحديث: أن كل مسلم رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو من الصحابة. قال (البخاري) في (صحيحه): من صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - أو رآه من المسلمين، فهو من أصحابه. وبلغنا عن (أبي المظفر السمعاني المروزي) أنه قال: أصحاب الحديث يطلقون اسم الصحابة على كل من روى عنه حديثاً أو كلمة، ويتوسعون حتى يعدون من رآه رؤية من الصحابة، وهذا لشرف منزلة النبي - صلى الله عليه وسلم -، أعطوا كل من رآه حكم الصحبة. وذكر: أن اسم الصحابي - من حيث اللغة والظاهر - يقع على من طالت صحبته للنبي - صلى الله عليه وسلم -وكثرت مجالسته له على طريق التبع له والأخذ عنه. قال: وهذا طريق الأصوليين. قلت: وقد روينا عن (سعيد بن المسيب): أنه كان لا يعد الصحابي إلا من أقام مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة أو سنتين، وغزا معه غزوة أو غزوتين. وكأن المراد بهذا - إن صح عنه - راجع إلى المحكي عن الأصوليين. ولكن في عبارته ضيق، يوجب ألا يعد من الصحابة جرير بن عبد الله البجلي ومن شاركه في فقد ظاهر ما اشترطه فيهم، ممن لا نعرف خلافاً في عدِّه من الصحابة. وروينا عن شعبة عن موسى السبلاني - وأثنى عليه خيراً - قال: أتيت أنس بن مالك فقلت: هل بقي من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحد غيرك ؟ قال: بقي ناس من الأعراب قد رأوه فأما من صحبه فلا. إسناده جيد، حدَّث به (مسلم) بحضرة (أبي زرعة). (174) ثم إن كون الواحد منهم صحابياً: تارة يعرف بالتواتر، وتارة بالاستفاضة القاصرة عن التواتر، وتارة بأن يروى عن آحاد الصحابة أنه صحابي، وتارة بقوله وإخباره عن نفسه - بعد ثبوت عدالته - بأنه صحابي، والله أعلم. قال الله تبارك وتعالى: ( وقال تعالى: ( وقال سبحانه وتعالى: ( وفي نصوص السنة الشاهدة بذلك كثرة، منها: حديث أبي سعيد المتفق على صحته: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده، لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مُدَّ أحدهم ولا نصيفه)). (175) ثم إن الأمة مجمعة علي تعديل جميع الصحابة، ومن لابس الفتن منهم: فكذلك بإجماع العلماء الذين يُعتد بهم في الإجماع، إحساناً للظن بهم، ونظراً إلى ما تمهد لهم من المآثر، وكان الله سبحانه وتعالى أتاح الإجماع على ذلك لكونهم نقلة الشريعة، والله أعلم. ثم إن أكثر الصحابة فُتْياً تروى ابن عباس. بلغنا عن (أحمد بن حنبل) قال: ليس أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يروى عنه في الفتوى أكثر من ابن عباس. وروينا عن (أحمد بن حنبل) أيضاً أنه قيل له: من العبادلة ؟ فقال: (عبد الله بن عباس)، و(عبد الله بن عمر)، و(عبد الله بن الزبير)، و(عبد الله بن عمرو). قيل له: فابن مسعود ؟ قال: لا، ليس (عبد الله بن مسعود) من العبادلة. قال الحافظ (أحمد البيهقي) فيما رويناه عنه وقرأته بخطه: وهذا لأن ابن مسعود تقدم موته، وهؤلاء عاشوا حتى احتيج إلى علمهم. فإذا اجتمعوا على شيء قيل (هذا قول العبادلة) أو (هذا فعلهم). قلت: ويلتحق بابن مسعود في ذلك سائر العبادلة المسمين بعبد الله من الصحابة، وهم نحو مائتين وعشرين نفساً، والله أعلم. وروينا عن (علي بن عند الله المديني) قال: لم يكن من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - له أصحاب يقومون بقوله في الفقه إلا ثلاثة: (عبد الله بن مسعود) و(زيد بن ثابت) و(ابن عباس) رضي الله عنهم. كان لكل رجل منهم أصحاب يقومون بقوله ويفتون الناس. (176) وروينا عن مسروق قال: وجدت علم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - انتهى إلى ستة: عمر، وعلي، وأُبيّ، وزيد، وأبي الدرداء، وعبد الله بن مسعود، ثم انتهى علم هؤلاء الستة إلى اثنين: علي، وعبد الله. وروينا نحوه عن مطرِّف، عن الشعبي، عن مسروق لكن ذكر أبا موسى بدل أبي الدرداء. وروينا عن (الشعبي) قال: كان العلم يؤخذ عن ستة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان عمر، وعبد الله، وزيد، يشبه علم بعضهم بعضاً، وكان يقتبس بعضهم من بعض، وكان علي، والأشعري، وأبي، يشبه علم بعضهم بعضاً، وكان يقتبس بعضهم من بعض. وروينا عن (الحافظ أحمد البيهقي): أن (الشافعي) ذكر الصحابة في رسالته القديمة، وأثنى عليهم بما هم أهله، ثم قال: وهم فوقنا في كل علم، واجتهاد، وورع، وعقل، وأمر استدرك به علم واستنبط به، وآراؤهم لنا أحمد وأُولى بنا من آرائنا عندنا لأنفسنا والله أعلم. الرابعة: روينا عن (أبي زرعة الرازي): أنه سئل عن عدة من روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ومن يضبط هذا ؟ شهد مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حجة الوداع أربعون ألفا، وشهد معه تبوك سبعون ألفا. وروينا عن (أبي زرعة) - أيضاً - أنه قيل له: أليس يقال: حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعة آلاف حديث ؟ قال: ومن قال ذا قلقل الله أنيابه ؟ هذا قول الزنادقة، ومن يحصي حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن مائة ألف وأربعة عشر ألفاً من الصحابة، ممن روي عنه وسمع منه. وفي رواية: ممن رآه وسمع منه. فقيل له: يا أبا زرعة، هؤلاء أبن كانوا و أين سمعوا منه ؟ قال: أهل المدينة، وأهل مكة، ومن بينهما، والأعراب، ومن شهد معه حجة الوداع كل رآه وسمع منه بعرفة. قال المؤلف: ثم إنه اختلف في عدد طبقاتهم وأصنافهم، والنظر في ذلك إلى السبق بالإسلام، والهجرة، وشهود المشاهد الفاضلة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بآبائنا وأمهاتنا وأنفسنا هو - صلى الله عليه وسلم -. (177) وجعلهم (الحاكم أبو عبد الله): اثنتي عشرة طبقة، ومنهم من زاد على ذلك ولسنا نطول بتفصيل ذلك، والله أعلم. وأما أفضل أصنافهم صنفاً: فقد قال (أبو منصور البغدادي التميمي): أصحابنا مجمعون على أن أفضلهم الخلفاء الأربعة ثم الستة الباقون إلى تمام العشرة ثم البدريون، ثم أصحاب أحد، ثم أهل بيعة الرضوان بالحديبية. قلت: وفي نص القرآن تفضيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، وهم الذين صلوا إلى القبلتين في قول (سعيد بن المسيب) وطائفة. وفي قول (الشعبي): هم الذين شهدوا بيعة الرضوان. وعن (محمد بن كعب القرظي) و(عطاء بن يسار) أنهما قالا: هم أهل بدر، روى ذلك عنهما (ابن عبد البر) فيما وجدناه عنه، والله أعلم. (178) فقيل: أبو بكر الصديق، روي ذلك عن ابن عباس، وحسان بن ثابت، وإبراهيم النخعي، وغيرهم. وقيل: علي أول من أسلم، روي ذلك عن زيد بن أرقم، وأبي ذر، والمقداد، وغيرهم. وقال (الحاكم أبو عبد الله): لا أعلم خلافاً بين أصحاب التواريخ أن علي بن أبي طالب أولهم إسلاماً، واستنكر هذا من الحاكم. وقيل: أول من أسلم زيد بن حارثة. وذكر معمر نحو ذلك عن الزهري. وقيل: أول من أسلم خديجة أم المؤمنين، روي ذلك من وجوه عن الزهري. وهو قول قتادة، ومحمد بن إسحاق بن يسار، وجماعة. وروي أيضاً عن ابن عباس. وادعى (الثعلبي) المفسر فيما رويناه أو بلغنا عنه: اتفاق العلماء على أن أول من أسلم خديجة، وأن اختلافهم إنما هو في أول من أسلم بعدها. والأورع أن يقال: أول من أسلم من الرجال الأحرار أبو بكر، ومن الصبيان أو الأحداث علي، ومن النساء خديجة، ومن الموالي زيد بن حارثة، ومن العبيد بلال، والله أعلم. وأما بالإضافة إلى النواحي: فآخر من مات منهم بالمدينة: جابر بن عبد الله، رواه أحمد بن حنبل عن قتادة. وقيل: سهل بن سعد، وقيل: السائب بن يزيد. وآخر من مات منهم بمكة عبد الله بن عمر، وقيل: جابر بن عبد الله. وذكر علي بن المديني أن أبا الطفيل مات بمكة، فهو إذاً الآخر بها. وآخر من مات منهم بالبصرة: أنس بن مالك. قال أبو عمر بن عبد البر: ما أعلم أحداً مات بعده ممن رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أبا الطفيل. (179) وآخر من مات منهم بالكوفة: عبد الله بن أبي أوفى. وبالشام: عبد الله بن بسر، وقيل: بل أبو أمامة. وتبسط بعضهم فقال: آخر من مات من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمصر: عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي. وبفلسطين: أبو أبيّ بن أم حرام. وبدمشق: واثلة بن الأسقع. وبحمص: عبد الله بن بسر. وباليمامة: الهرماس بن زياد. وبالجزيرة: العرس بن عَميرة. وبأفريقية: رويفع بن ثابت. وبالبادية في الأعراب: سلمة بن الأكوع، رضي الله عنهم أجمعين. وفي بعض ما ذكرناه خلاف لم نذكره، وقوله في رويفع بأفريقية لا يصح، إنما مات في حاضرة برقة وقبره بها. ونزل سلمة إلى المدينة قبل موته بليال فمات بها، والله أعلم.
|